responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 92
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ أَيْ هُوَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِكُنْهِ مَا فِي قُلُوبِهِمْ وَصُدُورِهِمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ شِدَّةَ عَدَاوَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ، بَيَّنَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى وَلِيُّ الْمُسْلِمِينَ وَنَاصِرُهُمْ، وَمَنْ كَانَ اللَّه وَلِيًّا لَهُ وَنَاصِرًا لَهُ لَمْ تَضُرَّهُ عَدَاوَةُ الْخَلْقِ، وَفِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: وِلَايَةُ اللَّه لِعَبْدِهِ عِبَارَةٌ عَنْ نُصْرَتِهِ لَهُ، فَذِكْرُ النَّصِيرِ بَعْدَ ذِكْرِ الْوَلِيِّ تَكْرَارٌ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْوَلِيَّ الْمُتَصَرِّفُ فِي الشَّيْءِ، وَالْمُتَصَرِّفُ فِي الشَّيْءِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ نَاصِرًا لَهُ فَزَالَ التَّكْرَارُ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: لِمَ لَمْ يَقُلْ: وَكَفَى باللَّه وَلِيًّا وَنَصِيرًا؟ وَمَا الْفَائِدَةُ فِي تَكْرِيرِ قَوْلِهِ: وَكَفى بِاللَّهِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ التَّكْرَارَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ يَكُونُ أَشَدَّ تَأْثِيرًا فِي الْقَلْبِ وَأَكْثَرَ مُبَالَغَةً.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: مَا فَائِدَةُ الْبَاءِ فِي قَوْلِهِ: وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا.
وَالْجَوَابُ: ذَكَرُوا وُجُوهًا، الْأَوَّلُ: لَوْ قِيلَ: كَفَى اللَّه، كَانَ يَتَّصِلُ الْفِعْلُ بِالْفَاعِلِ. ثم هاهنا زيدت الباء إيذانا بأن الْكِفَايَةَ مِنَ اللَّه لَيْسَتْ كَالْكِفَايَةِ مِنْ غَيْرِهِ فِي الرُّتْبَةِ وَعِظَمِ الْمَنْزِلَةِ. الثَّانِي: قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ: تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: كَفَى اكْتِفَاؤُكَ باللَّه وَلِيًّا، وَلَمَّا ذُكِرَتْ «كَفَى» دَلَّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ، لِأَنَّهُ مِنْ لَفْظِهِ، كَمَا تَقُولُ: مَنْ كَذَبَ كَانَ شَرًّا لَهُ، أَيْ كَانَ الْكَذِبُ شَرًّا لَهُ، فَأَضْمَرْتَهُ لِدَلَالَةِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ. الثَّالِثُ: يَخْطُرُ بِبَالِي أَنَّ الْبَاءَ فِي الْأَصْلِ لِلْإِلْصَاقِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَحْسُنُ فِي الْمُؤَثِّرِ الَّذِي لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّأْثِيرِ، وَلَوْ قِيلَ: كَفَى اللَّه، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى كَوْنِهِ تَعَالَى فَاعِلًا لِهَذِهِ الْكِفَايَةِ، وَلَكِنْ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَفْعَلُ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، فَإِذَا ذَكَرْتَ حَرْفَ الْبَاءِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَفْعَلُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، بَلْ هُوَ تَعَالَى يَتَكَفَّلُ بِتَحْصِيلِ هَذَا الْمَطْلُوبِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ أَحَدٍ، كَمَا قَالَ:
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] .

[سورة النساء (4) : آية 46]
مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ شَرَحَ كَيْفِيَّةَ تِلْكَ الضَّلَالَةِ وَهِيَ أُمُورٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي مُتَعَلِّقِ قَوْلِهِ: مِنَ الَّذِينَ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِلَّذِينِ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا، وَالثَّانِي: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ:
نَصِيراً وَالتَّقْدِيرُ: وَكَفَى باللَّه نَصِيرًا مِنَ الَّذِينَ هَادُوا، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا [الْأَنْبِيَاءِ: 77] الثالث: أن يكون خبر مبتدأ محذوف، ويُحَرِّفُونَ صِفَتَهُ. تَقْدِيرُهُ: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا قَوْمٌ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ، فَحُذِفَ الْمَوْصُوفُ وَأُقِيمَ الْوَصْفُ مَكَانَهُ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 92
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست